تمر المنطقة العربية بكثير من الأحداث والتغيرات في مختلف النواحي -لاسيما السياسية -لكن تبقى القضية الفلسطينية هي القضية الأكثر أهمية وإلحاحًا بالنسبة للوطن العربي بأكمله، وليس لفلسطين بمفردها. على الرغم أن تلك القضية تبدو وكأنها حدثت في الماضي القريب إلا أن جذور الفكرة وأصول نشأتها أقدم وأكثر تشعبًا مما يبدو.
سيبدو صادمًا حين ندرك حقيقة أن الأطماع نحو (فلسطين ) كانت في الأصل موجهة من (أوروبا ) التي كانت تسعى إلى استعمار العالم بأكمله والسيطرة على موارده وثرواته واستغلالها لحسابها، بالإضافة إلى رغبتها في تأمين مسار تجاراتها حول العالم والتحكم في طرق مواصلاتها؛ لذا فقد بدأت القوات الاستعمارية -لاسيما (إنجلترا ) و(فرنسا ) -في استغلال اليهود للاستيطان في (فلسطين ) كي يقوموا بحماية مصالح البلدين هناك.
قامت (إنجلترا ) في عام 1649 م بإنشاء حركة تهدف إلى نقل أبناء اليهود وبناتهم على سفنهم إلى الأرض الموعودة؛ كي تصبح إرثًا لهم. أما عن (فرنسا ) فقد كانت ترى أن استيطان اليهود في (فلسطين ) يمكن أن يكون حاجز مادي بشري يفصل ما بين (مصر ) و (سوريا) وهو ما سيسهل عملية الاحتلال الفرنسي لكل منهما، كما كانت تهدف في الخفاء إلى تهديد مصالح (إنجلترا) عن طريق إغلاق طريق المواصلات المؤدية إلى مستعمراتها في (الهند ).
لذا فقد اتفقت (فرنسا ) مع الأغنياء من اليهود بأنها ستقوم بإنشاء العديد من المستوطنات لهم في (فلسطين )، إذا ما نجحت حملتها التي ترغب في استعمار المشرق العربي؛ وذلك في مقابل تقديم (اليهود ) القروض المالية للحكومة الفرنسية لتمويل تلك الحملة التي سيقودها (نابليون بونابرت) الذي ما إن وصلت حملته إلى (مصر ) عام 1798 م حتى بدأ يرى أنه إذا تمكن كذلك من استقطاب يهود الشرق في (آسيا ) و(أفريقيا ) إلى صفه مناديًا بأنهم ورثة فلسطين الشرعيين، ووعدهم بإقامة وطن جديد لهم؛ فإنه بذلك يضيف قوة جديدة إلى القوة الأساسية التي يعتمد عليها والمتمثلة في يهود (فرنسا ).
وحين هُزم (نابليون ) في (عكا)، سعى لتوجيه حملاته إلى (روسيا القيصرية)، وقام بالحيل ذاتها مع يهود (روسيا)، كما قام بإعلان الديانة اليهودية إحدى الديانات الرسمية في (فرنسا) وفي كافة الدول الأخرى التي يحتلها، لكن مع انتهاء عصر نابليون وانشغال (فرنسا) بمشاكلها الداخلية، انتقل الاهتمام بالاستيطان اليهودي مرة أخرى إلى (إنجلترا)؛ لتأمين مستعمراتها، وتوسيع نطاق سيطرتها في المشرق من ناحية، ومن ناحية أخرى كي تتمكن من القضاء على المحاولات التوسعية التي يقوم بها (محمد علي) انطلاقًا من (مصر) حيث كان يسعى إلى توحيد الدول العربية في دولة واحدة كبرى ذات قوة وسيادة.
قامت (إنجلترا) عام 1838 م بافتتاح أول قنصلية لها في (القدس)؛ وذلك لتقديم الدعم لليهود الذين سيقومون في مقابل ذلك بحماية مصالحها عند الحاجة. وتم اعتبار المشروع على أنه توفير "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وقد سعت (إنجلترا) كثيرًا لإقناع الدولة العثمانية بهذا المشروع؛ حيث إن (فلسطين) كانت تحت حكمها وفي نطاق نفوذها، لكنها فشلت. وعلى الرغم من الاقتراحات التي قُدمت حول إقامة المستعمرات بالقوة وبأي شكل أو ثمن، فإن اليهود أنفسهم لم يكن لديهم الحماسة للمجازفة وترك أوضاعهم المستقرة في أوروبا لأجل الانتقال إلى أرض جديدة يتم التنازع عليها بين (الدولة العثمانية) و(إنجلترا).
كانت كل من (إنجلترا) و (فرنسا) تسعى إلى فرض نفوذها في منطقة الشرق، وقد وصل التنافس إلى أقصى درجة حين حصلت (فرنسا) في عام 1854 م على امتياز شق قناة السويس في (مصر)؛ مما جعل (إنجلترا) تعارض المشروع وبشدة إلى أن أدركت أهميته الحيوية بالنسبة لها كممر إلى مستعمراتها في (الهند)، وسرعان ما قامت بشراء العديد من الأسهم في هذا المشروع وتحول التنافس بينهما إلى تعاون؛ وهو ما جعل (فرنسا) تتغاضى عن الاحتلال الإنجليزي لـ (قبرص) و(مصر) فيما بعد وقد تغاضت (إنجلترا ) بدورها عن الاحتلال الفرنسي لـ (تونس).
منذ ذلك الحين أصبحت إقامة دولة يهودية في المنطقة العربية مصلحة مشتركة بين الطرفين؛ لذا فقد استمر السعي نحو دعم المشروع اليهودي في (فلسطين). وعلى الرغم من الحماس الذي كانت تتمتع به الحكومة الفرنسية نحو المشروع، إلا إن هزيمتها في حربها مع (ألمانيا) جعلها تحرص على عدم الدخول في مغامرات استعمارية جديدة؛ وهو ما ترك زمام الأمور بأكملها لـ (إنجلترا) التي قامت عام 1865 م بإنشاء (صندوق اكتشاف فلسطين) الذي كان يهدف إلى دراسة جغرافيا ومناخ المنطقة، والبحث عن مصادر توفر المياه فيها، بالإضافة إلى إحياء التسميات التوراتية القديمة لبعض المناطق، وتحديد مواقعها الحديثة بهدف إثبات أحقية اليهود في أرض (فلسطين ) منذ القدم.
وقد استمرت عملية الاستكشاف ست سنوات، تم خلالها إعداد الكثير من التقارير والكتب والدراسات حول تلك المنطقة التي أصبحت بالغة الأهمية لاسيما أن هناك الكثير من الدول الاستعمارية الأخرى التي شاركت في تبني مشاريع الاستيطان اليهودي منها (ألمانيا) و(الولايات المتحدة الأمريكية) كل منهم لأجل أسباب ومصالح مختلفة، لكنها كانت في النهاية سببًا في تزايد الأطماع في تلك المنطقة.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان